
التعيّد في يوم التاسع من ربيع الأول
جاء في الرواية المعتبرة عن أحمد بن إسحاق: «من تعيّد في ذلك اليوم…». ولفظة “تعيّد” تدل على الإظهار العملي للفرح، لا مجرد الاعتقاد. فالمطلوب أن يُظهر المؤمن فرحه في هذا اليوم بمقدار حاله، وهو من موجبات قبول الأعمال.
قال سماحة المرجع الديني السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله:
“إنّ التعيّد هو الإظهار العملي للفرح في هذا اليوم، فلو اكتفى الإنسان بالاعتقاد القلبي لم يصدق أنّه متعيّد، بل عليه أن يظهر ذلك بما يناسب حاله، فقيرًا كان أو غنيًا.”
معنى الغديرين
الغدير الأول في الثامن عشر من ذي الحجة كان إعلانًا للتولي والولاء لأمير المؤمنين والأئمة الأطهار (عليهم السلام). أما اليوم التاسع من ربيع الأول فقد ورد في الروايات المعتبرة أنّه الغدير الثاني، أي يوم إعلان التبري من أعداء الله وأعداء أوليائه. وبذلك يتكامل الدين بجناحيه: الولاء والبراءة.
قال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
“بناء على الروايات، نحن نعتقد بغديرين: الغدير الأول هو في الثامن عشر من شهر ذي الحجّة الحرام، والغدير الثاني هو التاسع من شهر ربيع الأول. هذان الغديران، وبسبب التقدّم والتأخّر زمانياً، عبر عنهما بالغديرين الأول والثاني.”
بداية إمامة الإمام المهدي (عليه السلام)
من الثابت أنّ إمامة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بدأت مباشرة بعد شهادة والده الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في الثامن من ربيع الأول، لأنّ الأرض لا تخلو من حجة لله طرفة عين. وعليه فإنّ اليوم التاسع من ربيع الأول هو اليوم الثاني لإمامته، لا اليوم الأول.
إذن لا يُقال إنّ التاسع هو بدء الإمامة، وإنّما هو يوم التبري كما دلّت الروايات.
قال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
“إنّ إمامة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) الظاهرية ابتدت في الثامن من ربيع الأول وليس في التاسع منه الذي يصادف اليوم الثاني لإمامته (عجّل الله تعالى فرجه الشريف). إذن لابد أن يكون التعبير عن هذا اليوم بأنّه الغدير الثاني ـ في الحديث الشريف ـ لجهة كونه يوم التبرّي من أعداء الله تعالى، كما هو واضح في الروايات الشريفة.”
التولي والتبري: ركنان أساسيان
العقيدة الإسلامية تقوم على أصلين لا ينفصلان: التولي لأولياء الله، والتبري من أعدائهم. فلا يتحقق الإيمان إلا بهما معًا.
وقد أشار الشيخ المفيد (رحمه الله) في المقنعة: «وولاية أولياء الله تعالى مفترضة وبها قوام الإيمان وعداوة أعدائه واجبة على كل حال».
قال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
“فمع أخذ مفهومي التولّي والتبرّي اللذين أشار إليهما الشيخ المفيد (رحمه الله)، نفهم أنّ التعبير عن هذا اليوم بالغدير الثاني معناه أنه يوم التبرّي، بعد أن كان الغدير الأول يوم التولّي؛ ليحصل التكامل بين جناحي العقيدة الإسلامية.”
الحكومة والتوسعة في عبارة الغدير الثاني
التعبير عن التاسع من ربيع الأول بـ”الغدير الثاني” هو توسعة لحكم الغدير الأول. فإذا كان الغدير الأول عيدًا منصوصًا، فإنّ الغدير الثاني يدخل في نفس العنوان ويكون عيدًا كذلك.
قال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
“التعبير بالغدير الثاني يدل على توسعة حكم الغدير الأوّل، فكما أنّ الغدير الأوّل عيد، فإنّ الغدير الثاني عيد أيضًا، لأنّه داخل في نفس العنوان.”
معنى “الثاني” لا يدل على الأهمية الأقل
كلمة “الثاني” هنا لا تعني أنّ الغدير الأول أهم من الثاني، بل هي مجرد إشارة للتقدّم والتأخر الزماني. أما أيّهما أعظم رتبةً، فهذا يُبحث في النصوص الأخرى، وكلّ من التولي والتبري ركن مستقل.
قال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
“ليس في لفظة (الثاني) ما يدلّ على أنّ الغدير الأوّل أهم من الثاني، وإنّما الترتيب هنا زماني، وأمّا المفاضلة بين التولي والتبري فتحتاج إلى أدلة خاصة.”
دلالة صيغة (تفعّل) في التولي والتبري
الصيغة الصرفية (تفعّل) في كلمتي تولّي وتبرّي تدل على الإظهار العملي، لا مجرد الاعتقاد القلبي. فالتولي والتبري لا يكتملان إلا بإظهار الولاء والبراءة في القول والفعل.
قال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
“التولّي والتبرّي لا يكفي فيهما مجرّد الاعتقاد القلبي، بل لا بدّ من الإظهار والعمل، وإلا لما صدق على الإنسان أنّه متولٍّ أو متبرٍّ حقيقة.”
مراتب التعيّد
لكل شخص أن يعيّد بحسب شأنه: الفقير يُظهر فرحه ولو بحلوى بسيطة، والغني ينبغي أن يُظهر الفرح بمقدار سعته، وإلا لم يصدق عليه التعيّد.
قال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
“كلّ واحد يعيّد على قدر حاله، فالفقير إذا اشترى حلوى لأطفاله فقد صدق عليه التعيّد، وأمّا الغني فإنّ لم يُظهر فرحه بما يناسبه فلا يُعدّ متعيّدًا.”
من الحزن إلى الفرح: تسلسل الشعائر
أيام محرّم وصفر والأيام المحسنية هي أيام الحزن والعزاء، أما أيام الفرح فتبدأ من التاسع من ربيع الأول، حيث يبدأ عيد أهل البيت (عليهم السلام).
قال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
“شهر محرّم وشهر صفر وما يليهما من الأيّام المحسنيّة هي أيّام العزاء. وأمّا أيّام الفرح فهي تبدأ من التاسع من شهر ربيع الأول. فأيّام العزاء والحزن هي أيّام عزاء وحزن أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وأيّام الفرح هي أيّام فرحهم (صلوات الله عليهم)، وعلينا أن نظهر الحزن ونظهر الفرح، لأنّ التولّي والتبرّي من أركان الدين.”
بداية أعياد أهل البيت (عليهم السلام)
بناء على الرواية المعتبرة عن أحمد بن إسحاق، فإن التاسع من ربيع الأول هو بداية أعياد أهل البيت (عليهم السلام)، وقد ذُكر له اثنان وسبعون اسمًا في الروايات. كما وردت روايات عن الصدوق وابن قولويه في كامل الزيارات بوجوب الفرح لأفراح أهل البيت (عليهم السلام).
قال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
“من يوم التاسع من ربيع الأول، ووفقاً للرواية المعتبرة عن أحمد بن إسحاق، تبدأ أيّام أعياد أهل البيت (صلوات الله عليهم). وقد ذكرت الروايات، اثنان وسبعون اسماً ليوم التاسع من ربيع الأول، وأشارت إليها موسوعة “بحار الأنوار” وغيرها من الكتب. وقد روى المرحوم الشيخ الصدوق (رحمه الله)، بسند، رواية تقول بوجوب فرح الشيعة في أفراح أهل البيت صلوات الله عليهم، وحزنهم في أحزانهم، وهي: (يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا). وذكرها المرحوم ابن قولويه في كتابه القيّم “الكامل في الزيارات “أيضاً.”
الغديران ومسؤولية الهداية
الغديران ليسا مجرد ذكرى تاريخية، بل مسؤولية في أعناق المؤمنين للعمل على هداية الناس وربطهم بمعارف أهل البيت (عليهم السلام).
قال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
“فيجدر بالمؤمنين وأتباع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، أن يغتنموا يوم التاسع من ربيع الأول، بأن يعملوا قدر ما يمكنهم، على هداية الناس وتقرّبهم إلى معارف أهل البيت (عليهم السلام)، وأن يجدّوا في أداء هذه المسؤولية.”
الخاتمة
يتضح أن يوم التاسع من ربيع الأول ـ الغدير الثاني ـ ليس مجرد مناسبة تاريخية، بل هو عيد أهل البيت (عليهم السلام) ومظهر التبري في مقابل عيد الغدير الأول مظهر التولي. ومن خلال التولي والتبري معًا تكتمل العقيدة الإسلامية، ويكتمل الإيمان قولًا وفعلاً، سرًّا وظاهرًا.