
في زمن تتسارع فيه التحولات، ويكثر فيه الغموض في الخطاب الديني والسياسي، تتجلّى شخصية سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظلّه، كواحدة من أبرز المرجعيات التي جمعت بين العمق العلمي، والوضوح الفكري، والجرأة في الدفاع عن هوية التشيّع وشعائره، مع خطاب إنساني عالمي يرفع شعار العدل واللاعنف.
خمسون عامًا يُدرس البحث الخارج
من أبرز معالم قوة السيّد الشيرازي أنّه يدرس البحث الخارج منذ أكثر من نصف قرن، متابعًا خطى كبار المراجع في النجف وقم. وخلال هذه العقود الطويلة، لم يقتصر دوره على التدريس فقط، بل عمّق البحث العلمي بكتبٍ فقهية وأصولية، امتازت بـ المناقشة الشاملة للأقوال، وسرد الأدلة، ثم الترجيح بقوة وبيان، وهو ما يعكس صلابة مبناه الأصولي وعمق اجتهاده.
موسوعية واطلاع واسع
لم يحصر السيّد الشيرازي علمه في الفقه والأصول فحسب، بل كتب وشرح في علوم شتى: كالنحو، والمنطق، وبعض المتون الدراسية الحوزوية، فبسّطها للطلبة المبتدئين بحيث لا يُستغنى عنها في مراحل الدرس الأولى.
ولعلّ جلساته العلمية اليومية، حيث يجيب على مختلف الأسئلة في الفقه والعقيدة والتاريخ واللغة، مع ذكر المصادر والأدلّة، تكشف عن سعة اطلاعه وقراءته الدائمة للكتب، حتى عُرف بأنّه موسوعيّ المعرفة.
خطاب علمي إنساني
خطاباته وكلماته، سواء في لقاءاته بالوفود أو في محاضراته السنوية، تتميّز بـ الوضوح، وبساطة العبارة، بعيدًا عن الغموض والتعقيد. لكنّها في الوقت نفسه غنية بالمعرفة، ومرتبطة دومًا بأهل البيت عليهم السلام، إحياءً لشعائرهم، ونشرًا لفكرهم، وتأكيدًا على ضرورة زيارتهم وتجديد العهد معهم.
مدرسة اللاعنف والعدل
من نقاط قوته البارزة أنّه جعل اللاعنف منهجًا عالميًا. فهو يدعو الحكّام والساسة إلى نبذ العنف، وإرساء العدل، وإعطاء الشعوب حقوقها، ويذمّ الظالمين بلا مجاملة.
ورغم أنّه واجه عداءً في داخل إيران وخارجها، فإنّه لم ينحدر إلى سجالات وردود شخصية، بل اكتفى بما أمر به القرآن: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
وضوح الفكر وصراحة الموقف
من خصائص السيّد الشيرازي أنّ فكره واضح، وعقيدته صريحة، لا يوارب ولا يجامل، بل يصرّح بما يعتقده في شتى شؤون الدين والحياة. وهذه الصراحة تمنح الشباب ثقة، وتمنح الأمة يقينًا بأنّ مرجعها لا يخفي عنها شيئًا.
إرث عائلة علمية كبرى
ينحدر سماحته من أسرة علمائية شامخة: فجده المرجع الكبير الميرزا مهدي، كان من أبرز تلامذة أعاظم الفقهاء، مثل: الأخوند الخراساني، والميرزا النائيني، والسيد محمد كاظم اليزدي، والشيخ ضياء الدين العراقي، والشيخ رضا الهمداني، وغيرهم من فطاحل الفقه والأصول.
هذا النَسَب العلمي يضع السيّد الشيرازي في صميم المدرسة النجفية العريقة، ويجعل مرجعيته امتدادًا رصينًا لتلك السلسلة الذهبية.
ريادة في التبليغ العالمي
من أعظم نقاط قوته أنّه مارس التبليغ بنفسه منذ أكثر من ستين عامًا، قبل وبعد تسنّمه المرجعية. وقد ألهم مقلّديه وأتباعه على إنشاء مئات الحسينيات، والمؤسسات، والقنوات الفضائية، في كل قارات العالم. وبفضل رؤيته وتشجيعه، أصبح فكر أهل البيت عليهم السلام يُعرض بلغات عدّة، ويصل إلى قلوب الملايين.
مرجعية عالمية حيّة
اليوم، ترتبط بمرجعية السيّد الشيرازي مئات المؤسسات والمراكز في آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، والأمريكتين، ويتبعه ملايين الشيعة من مختلف الجنسيات. وبذلك تحوّلت مرجعيته إلى ظاهرة عالمية حيّة، توازن بين العمق الفقهي والتأثير الاجتماعي، وبين الجذر الحوزوي والانفتاح الإعلامي.
الخاتمة
إنّ سماحة المرجع الديني السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظلّه يمثّل مرجعية تجمع بين:
العلم الراسخ الممتد لخمسين عامًا من البحث الخارج،
الموسوعية والشمولية في مختلف العلوم،
الخطاب الواضح والرحيم القريب من الناس،
اللاعنف والعدل كمنهج عالمي،
الانتماء لأسرة علمائية كبرى،
الريادة في التبليغ والإعلام،
الحضور العالمي عبر المؤسسات.
بهذه المفاتيح، تميّزت مرجعيته، لتصبح جاذبة للشباب، وملهمة للأمة، وضمانة لمستقبل التشيّع.